سورة القصص - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


كان موسى عليه السلام قد امتحن بمخاوف فطلب شد العضد بأخيه {هارون} لأنه كان فصيح اللسان سجيح الخلق، وقرأ الجمهور {ردءاً} بالهمز، وقرأ نافع وحده {رداً} بتنوين الدال دون همز وهي قراءة أبي جعفر والمدنيين وذلك على التخفيف من ردء، والردء الوزر المعين والذي يسند إليه في الأمر، وذهبت فرقة إلى أنها من معنى الزيادة كما قال الشاعر [القرطبي]: [الطويل]
وأسمر خطّي كأن كعوبه *** نوى القسب قد أردى ذراعاً على العشر
وهذا على ترك الهمز وأن يكون وزنه فعلا، وقرأ الجمهور {يصدقْني} بالجزم وذلك على جواب {فأرسله}، وقرأ عاصم وحمزة {يصدقني} أي مصدقاً فهو صفة للردء أو حال، وشد العضد استعارة في المعونة والإنهاض، وقرأ الحسن بضم العين {عضُد}، وقرأ عيسى بن عمر بفتح العين والضاد، والسلطان، الحجة، وقوله {بآياتنا} يحتمل أن تتعلق الباء بقوله {ونجعل لكما} أو ب {يصلون} وتكون باء السبب، ويحتمل أن تتعلق بقوله {الغالبون} أي تغلبون بآياتنا، والآيات هي معجزاته عليه السلام، ولما كذبوه ورموه بالسحر قارب موسى عليه السلام في احتجاجه وراعه تكذيبهم فرد الأمر إلى الله عز وجل وعول على ما سيظهره في شأنهم وتوعدهم بنقمة الله تعالى منهم، وقرأ ابن كثير {قال موسى} بغير واو، وقرأ غيره وجميع السبعة {وقال} بواو، وقرأ الجمهور {تكون} بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي {يكون} بالياء على التذكير إذ هي بمنزلة العاقب فهي كالصوت والصيحة والوعظ والموعظة، واستمر فرعون في طريق مخرقته على قومه وأمره {هامان} بأن يطبخ له الآجر وأن يبني له {صرحاً} أي سطحاً في أعلى الهواء، وليس الصرح إلا ما له سطح، ويحتمل أن يكون الإيقاد على الطين كالبرامي، وترجى بذلك بزعمه أن يطلع في السماء، فروي عن السدي أنه بناه أعلى ما يمكن ثم صعد فيه ورمى بالنبل فردها الله تعالى إليه مخضوبة بالدم ليزيدهم عمى وفتنة، فقال فرعون حينئذ: إني قتلت إله موسى، ثم قال: {وإني لأظنه من الكاذبين} يريد في أن موسى أرسله مرسل، فالظن على بابه وهو معنى إيجاب الكفر بمنزلة التصميم على التكذيب، وقرأ حمزة والكسائي ونافع {لا يَرجِعون}، وقرأ الباقون والحسن وخالد {لا يرجعون} بضم الياء وفتح الجيم.


{نبذناهم} معناه طرحناهم، ومنه نبذ النواة ومنه قول الشاعر:
نظرت إلى عنوانه فنبذته *** كنبذك نعلاً من نعالك باليا
وقوم فرعون وإن كانوا ساروا إلى البحر ودخلوه باختيارهم فإن ما ضمهم من القدر السابق السائق هو نبذ الله تعالى إياهم فيه، و{اليم} بحر القلزم في قول أكثر الناس، وقالت فرقة: كان غرقهم في نيل مصر والأول أشهر، وقوله تعالى: {وجعلناهم أئمة يدعون} عبارة عن حالهم وأفعالهم وخاتمتهم، أي هم بذلك كالداعين إلى النار وهم فيه أئمة من حيث اشتهروا وبقي حديثهم، فهم قدوة لكل كافر وعات إلى يوم القيامة، و{المقبوحين} الذي يقبح كل أمرهم قولاً له وفعلاً بهم، قال ابن عباس: هم الذي قبحوا بسواد الوجوه وزرق العيون، {ويوم} ظرف مقدم، وقوله تعالى: {من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} إخبار بأنه أنزل التوراة على موسى بعد هلاك فرعون قومه وبعد هذه الأمم التي قد تقدم ذكرها من عاد وثمود وقرية قوم لوط وغيرها، والقصد بهذا الإخبار التمثيل لقريش بما تقدم في غيرها من الأمم، وقالت، فرقة: إن الآية مضمنة أن إنزال التوراة على موسى هو بعد أن رفع الله تعالى عذاب الأمم فلم تعذب أمة بعد نزول التوراة إلا القرية التي مسخت قردة، فيما روي، وقوله {بصائر} نصب على الحال، أي طرائق هادية، وقوله تعالى: {لعلهم يتذكرون} أي على ترجى البشر وما يعطيه تأميل من أمل الأمر، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: ما أهلك الله تعالى أمة بعذاب منذ أنزل إلى الأرض غير القرية التي مسخت قردة وهم الذي تعدوا في السبت، وهذا التعذيب من سبب شرع موسى فكأنه لا ينقص فضيلة التوراة برفع العذاب عن الأرض.


المعنى ولم تحضر يا محمد هذه الغيوب التي تخبر بها ولكنها صارت إليك بوحينا أي فكان الواجب أن يسارع إلى الإيمان بك ولكن تطاول الأمر على القرون التي أنشأناها زمناً زمناً فعزبت حلومهم واستحكمت جهالتهم وضلالتهم، و{قضينا} معناه أبعدنا وصيرنا، و{الأمر} يعني النبوءة، وقالت فرقة: يعني ما أعلمه به من أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل حسن يلتئم معه ما بعده من قوله: {ولكنا أنشأنا قروناً}، والثاوي المقيم، وقوله {وما كنت بجانب الطور} يريد وقت إنزال التوراة إلى موسى.
وقوله تعالى: {إذ نادينا}، روي عن أبي هريرة أنه نودي يومئذ من السماء يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وغفرت لكم قبل أن تسألوني، فحينئذ قال موسى عليه السلام: اللهم اجعلني من أمة محمد، فالمعنى {إذا نادينا} بأمرك وأخبرنا بنبوتك وقوله {رحمة} نصب على المصدر أو مفعول من أجله، وقوله {لكن} مرتبط بقوله {وما كنت} أي {ولكن} جعلناك وأنفذنا أمرك قديماً {رحمة من ربك} أو يكون المعنى {ولكن} أعلمناك ونبأناك {رحمة} منا لك وإفضالاً، وقرأ الناس {رحمةً} بالنصب، وقرأ عيسى {رحمة} بالرفع، ويريد بالقوم الذين لم يأتهم نذير معاصر به من العرب، وباقي الآية بين، وقال الطبري: معنى قوله {إذ نادينا} بأن سأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8